رواية وبقي منها حطام أنثى للكاتبة منال سالم و ياسمين عادل الفصل السابع والثلاثون
في هذا الحين، كانت إيثار قد انتهت من إعطاء جرعتها العاطفية للصغيرة، فحملتها بين ذراعيها بحب وهي تحركها بمرح قائلة:
روفي، كملتي سنتين ياحبيبتي، عقبال ما تكملي مليون سنة!
هتفت روان وهي تفرك كفيها بحماسة شديدة: طب مش يلا ننزل بقى!
نظرت لها إيثار بغرابة، وهمست بإندهاش قليل وهي تداعب وجنتي الصغيرة: لسه بدري ياروان
اعترضت روان وهي تتلوى بثغرها خوفاً من فساد المخطط الذي رسمته:
آآ، لأ، ننزل دلوقتي أفضل!
ردت عليها إيثار مستسلمة وقد انعقد حاجبيها بتعجب شديد لإصرارها الغير مبرر:
طيب، اللي يريحك
هبطا سوياً بصحبة الصغيرة بعد إصرار روان على إلباس الصغيرة ريفان فستاناً وردياً رقيقاً يتماشى مع التاج الصغير المرصع بفصوص ماسية، والذي زينت به رأسها..
وعندما خطت إيثار عتبة ( الفيلا ) تفاجئت بوجود مالك بالحديقة، والذي ظنته بالبداية غير موجود في المكان، فأبعدت بصرها بإستحياء ثم تابعت خطواتها ببطء..
وكلما اقتربت خطاها منه، زاد توترها من حضوره المؤثر عليها..
ولكنها تماسكت كي لا تظهر له جانبها الضعيف الذى يحن له، في حين رسم مالك بسمته العذبة على محياه وهو يقترب منها ليقبل الصغيرة..
دنا منها ليطبع قبلة على رأس ابنته، بينما كانت عيناه معلقة على حبيبته..
تقلصت المسافات بشدة حتى وصلت أنفاسه الحارة بالأشواق لطرف أنفها فدبت القشعريرة بأوصالها..
ابتعدت برأسها قليلاً، فتراجع هو الأخر برأسه بعد أن حقق مبتغاه وأثار توترها نحوه..
مد يده ليلتقط صغيرته من بين يديها فتعمد مسك كفها مع ابنته..
شعرت بالحرج الشديد من جرأته حيالها فتنحنحت بخجل، و توردت وجنتيها بحياء ثم نطقت بجدية زائفة:
احم! آآ، أ أيدي؟
أفلت كفها وهو يبتسم لها ابتسامة خطيرة، و تحرك نحو الطاولة ليجلس على أحد مقاعدها واضعاً الصغيرة على حجره..
ثم غمز بعينيه لشقيقته لكي تقوم بالتصرف، وبالفعل تحركت الأخيرة على الفور لتقول بحماسة بائنة:
يلا عشان نطفي الشمع ياإيثار
ثم جذبت إيثار من يدها، ودفعتها نحو الطاولة..
نظرت لها إيثار بإندهاش، وهتفت متعجبة:
دلوقتي!
ردت عليها روان وهي تهز رأسها عدة مرات متتالية:
ايوة يالا
كانت تشعر بشيء مريب في الأمر، وكأن الأخوين يحيكان أمراً لا تعلمه..
تجاهلت شعورها وتعمدت الانتظار حتى تكشف ما سيؤول إليه الأمر..
جلست بتردد على المقعد وجاورتها روان..
دققت النظر على الطاولة لترى قالب الحلوى المطبوع عليه صورة للصغيرة تجمعها بوالدتها، حكت غرة جبهتها بتفكير وتذكرت أنها قد رأت مثل تلك الصورة في الأعلى داخل إطار خشبي رقيق.
تعلقت عيناها بالقالب، وشردت تفكر فيها..
أثار فضولها وبشدة وجود ريفان مع والدتها في صورة واحدة تجمعهما سوياً..
تلك الصورة التي رأتها من قبل وحركت نزعتها الأمومية بالإضافة إلى شعور الغيرة..
ما أثار ريبتها هو كيف ومتى تم أخذ تلك الصورة إن كانت الأم قد توفت قبل رؤية قرة عينيها؟
هناك خطأ بالأمر..
ربما مالك يكذب عليها وأراد الحصول على استعطافها..
اغتاظت من كذبه، وتحول وجهها للوجوم..
لاحظ مالك تحديقها بقالب الحلوى
نعم حالة الشرود التي تمكنت منها كانت مرئية للعيان
وسريعاً استشف ما تفكر به، لذا قرر أن يسرد عليها قصة الصورة قبل أن تظن به الظنون..
التفت برأسه نحو شقيقته، وحك مؤخرة رأسه وهو يقول بهدوء:
عارفة ياروان!
انتبهت له أخته، وكذلك إيثار، فتابع قائلاً:
الصورة دي انا عملتها بعد ما ريفان اتولدت بشهر، كنت مصور مامتها وهي حامل فيها وشايلة عروسة بنفس الحجم!
ابتسم بمرارة وهو يضيف:
كانت فرحانة أوي إنها حامل، ومش مصدقة نفسها!
ثم انخفضت نبرة صوته وهو يكمل بحزن واضح:.
بس فرحتها مكملتش، وماتت، بس، بس مرضتش أحس إن الفرحة دي انتهت بموتها، فلما ريفان اتولدت، صورتها معايا بنفس الطريقة وبنفس الزاوية، وخليت المصور
يركب الصورتين على بعض..
تنهد بعمق وهو يختم حديثه:
كان يهمني يكون في ذكرى جميلة تجمع ريفان بمامتها الله يرحمها!
رغم حسن نيته مع ابنته، ورغبته في تخليد ذكرى حب زوجته لطفلتهما التي لم يكتب لها أن تراها، إلا أنه أشعرها بالغيرة من ذلك الاهتمام..
هي لم تحظَ بمثله..
هي كانت تعاني، تجاهد للملمة شتات أمرها..
اجتهدت وبشدة في الحفاظ على جمود تعابير وجهها، وثبات نظراتها رغم النيران المستعرة بداخل روحها..
أضافت روان وقد شعرت بالشفقة على تلك الراحلة:
الله يرحمها يارب
عاود مالك التحديق بإيثار، فرأها جامدة لكن عينيها تكشفاها..
هي تغار، هو متأكد مما رأه فيهما…
نهضت روان عن جلستها مبررة أنها ستحضر مشروب المياه الغازية، ثم تركتهما بمفردهما بعد أن حملت الصغيرة بين يديها وهي تقول بمرح:
مالك هات روفي، وحط إنت الشمع في التورتة
نهضت إيثار فجأة، وهتفت بجدية وهي تجاهد للإبتعاد عن مكان وجوده بأقصى قواها:
آ، روان، انا هجيبه خليكي
اعترضت روان وهي تصر على الذهاب بالصغيرة للداخل:
لا خليكي، انا جاية على طول
وقبل أن تهتف بها إيثار كانت قد انصرفت سريعاً.
تنهدت بضيق، وأشاحت بوجهها للجانب الأخر متجنبة حدقتيه اللاتين تعلقتا بها..
كانت تشعر بظل عينيه وهو مسلط عليها مما أشعرها بالحرج الشديد، ولكنها جاهدت حتى لا تظهر له ذلك ولكنها فشلت..
فأمرها كان مكشوفاً وواضحاً له وضوح الشمس، بينما لم يستطع هو منع إبتسامته التي غزت محياه.
هي كما أعتادها دائماً، حتى وإن اعتراها بعض التغيير تنكشف أمامه..
، تأهبت لتنهض بعيداً عنه لتتجنب تأثيره، ولكنها تفاجئت بكفه يحاصر كفها، فاستدارت نحوه بصدمة، وهمس بلهجة عاشقة:
ماتسبينيش!
انفرجت شفتيها بذهول، و جحظت عيناها:
ها!
ابتسم لها مالك بعذوبة معهودة منه وهو يتوسلها:
قصدي ماتمشيش!
سحبت إيثار كفها منه، وهتفت بتوتر:
هشوف روان عشان أتأخرت.
نهضت عن مكانها سريعاً لكي تتجاوزه ولكنه قطع عنها الطريق بوقفته أمامها..
ارتكبت أكثر منه وتوترت، فتأمل الحُمرة التي احتلت موضع غمازتيها، ثم مد أنامله ببطء ليلمس غمازتها، فتراجعت فوراً خطوة للوراء..
تحقق حلمها الذي رأته في غفوتها، هي تمنت اقترابه منها، ولكنها تخشى إستسلام مشاعرها الجريحة له..
دنا منها أكثر فأبتعدت..
حاصرها فجأة من خصرها بذراعيه، ونطق بتلهف واضح وعيناه تلمعان بوميض الحب:
تتجوزيني!
انتفضت، بل ارتجفت، وارتعش كيانها بالكامل..
أكان وهماً ما قاله؟
أعرض عليها الزواج؟
أصابت كل ذرة في جسدها قشعريرة غريبة عقب كلمته المباغتة تلك..
بدت وكأنها تُلقى على مسامعها للمرة الأولى..
تصارعت أنفاسها اللاهثة وتلاحقت من فرط التوتر والخوف..
رغبت في مقاومته، في الرفض..
لكن قلبها يأبى الانصياع، إنه مالكك، إنه من تعشقين، إنه حبك الأول والأخير..
ارتفع صدرها وهي تطالع ملامحه كالمسحورة..
لكنها سريعاً أجبرت نفسها على الإبتعاد من ذلك التأثير المهلك، فإنسلت من أحضانه بعد أن دفعته بكفيها في صدره، وأطرقت رأسها وهي تقول بعزة وكبرياء شديدين:
لا، مش هتجوزك، أبداً!
لم يكن ليتركها تفلت منه، فأطبق على ذراعيها بقبضتيه بخفة ولطف ثم جذبها بتملك لترتمي على صدره رغماً عنها، و لتكون أقرب من أنفاسه..
حاوطها مجدداً بذراعيه، وأحكم قبضتيه عليها لتنصهر في أحضانه المشتاقة لها.
هو أرادها أن تسمع نبضاته التي تنطق باسمها، وبنبرة متملكة قال بثبات:
هتتجوزيني…!
جاهدت لتتخلص من حصاره المهلك الذي يضعف مقاومتها، لكنها لم تستطع، فقد أحكم قبضتيه حولها..
خفق قلبها بقوة، وتسارعت أنفاسها على صدره..
أغمض عيناه مستمتعاً بقربها المغري منه، وبث إليها عبر حضنه المطمئن أشواقه، و إشتياقه، وحبه..
إن استسلمت له فقد ظفر بها، لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه..
دفعته إيثار بكل ما أوتيت من قوة للخلف، فتفاجيء من ردة فعلها، وحدجته بنظرات جامدة قبل أن تقول بحدة:
وأنا مش موافقة.
تسمر في مكانه مشدوهاً للحظة محاولاً استيعاب رفضها الغير متوقع..
هو متأكد من حبها الجارف له، بل إنه يثق أن خلايا دمها متشبعة كلياً بعشقهما..
تأهبت للتحرك والهرب من حضرته المميتة لكن صدها مالك بجسده، ووقف حائلاً أمامها ليهتف بنبرة مصدومة:
إيثار، أنا بأحبك!
وأنا مش عاوزة الحب ده
قالتها بصعوبة بالغة وهي تحاول السيطرة على مشاعرها المضطربة..
أغمض عيناه للحظة محاولاً السيطرة على انفعالاته، ثم سألها بهدوء:.
طب انتي مش موافقة ليه؟
عجزت عن الرد عليه، أتخبره أنها تحبه بجنون ولكن كبريائها يمنعها من القبول بعرضه المغري لتحل كبديلة عن زوجته بتلك البساطة؟ أم تدعي الكذب أنها تبغضه كما لم تبغض أي أحد من قبل؟
مازالت أثار الماضي تطاردها..
وهي عاجزة عن حسم أمرها معه..
التقط كفها بين راحتيه، وجذبها برفق إليه، واحنى رأسه عليها ليطالعها بنظرات تعرف كيف تخترقها ببراعة، وهمس لها:.
أنا بأحبك يا إيثار، بأحبك ومقدرش أعيش من غيرك!
ارتجفت من تأثير كلماته، وشعر بإرتعاشتها..
أرخى إحدى يديه عن قبضتها، ورفعها عند طرف ذقنها ليتحسس ملمسه بحرص شديد..
أغمضت عيناها بإرتباك كبير، وسيطرت على كيانها رعشة غريبة حجبت عنها التفكير بصورة عقلانية، وزدات دقات قلبها المتسارعة..
ابتسم بثقة حينما أيقن تأثيره الطاغي عليها..
وأغراه سكونها لإختطاف قبلة صغيرة منها، ولكن قبل أن يقدم على هذا كانت هي تنسحب منه بصورة دفاعية وهي تصيح بإصرار عنيد:
مقدرش أتجوزك، مقدرش!
أسرعت تلملم شتات أمرها، وقبل أن تنهار باكية أمامه وتغير رأيها ركضت مبتعدة إلى خارج الفيلا..
صدمت روان وهي تتابع المشهد من الداخل مما حدث..
كانت تتوقع أن توافق رفيقتها على عرض مالك بالزواج منها، لكنها خالفت كل توقعاتها، ورفضته ببساطة..
خرجت مسرعة لتستفهم من أخيها عن سبب إعتراضها، فتركها ورحل دون أن يعطيها أي مبررات..
هب عمرو منتفضاً من مكانه حينما سردت عليه والدته تحية ما فعلته مع السيدة ميسرة..
تلفت حوله غير مصدق ما سمعه تواً، وهتف بذهول:
يعني، يعني هي قالتلك أروحله بيته؟
أجابته تحية بهدوء:
ايوه يا بني هي عدت عليا من شوية، وكتبتلي ورقة فيها العنوان
تساءل عمرو بتلهف وهو يمد يده نحوها:
فين الورقة دي؟
أخرجت والدته ورقة مطوية وضعتها بداخل طيات صفحات أجندة الهاتف لكي لا تضيع، ثم أعطته إياها..
أخذها منها عمرو ونظر إلى العنوان المدون بها، وابتسم بسعادة وهو يردد:
يا رب يكون خير
ردت عليه والدته بنبرة دافئة:
إن شاء الله يا حبيبي هايكون خير، وربنا هيعوضك ويكرمك باللي نفسك فيه!
ورغم فرحته الظاهرة على وجهه إلا أن شعوراً مزعجاً كان ينتابه حينما يفكر في ردة فعل مالك..
فالماضي مازال يقف حاجزاً بينهما…
انتبه كلاهما إلى صوت غلق باب المنزل، فدققا النظر في إيثار التي انتجهت إلى غرفتها دون أن تلقي عليهما التحية..
نظر عمرو لوالدته بإندهاش وتساءل بفضول:
هي مالها؟
ردت عليه بقلق:
مش عارفة يا بني، تلاقيها بس تعبانة في الشغل
تحرك عمرو في اتجاه غرفتها مردداً بجدية:
أنا رايحلها!
اعترضت تحية عليه قائلة:
طب سيبها شوية تكون ارتاحت، وبعد كده خشلها
رد على إمتعاض:
حاضر يا ماما، هاسيبها شوية وبعد كده هاتكلم معاها.
ألقت إيثار بنفسها على الفراش، ودفنت رأسها في وسادتها لتبكي بحرقة على ما حدث..
لامت نفسها على رفضها لطلب حبيبها بالزواج..
لكن ما منعها من القبول هو إحساسها بأنه يشفق عليها، بأن حبه لها لم يعد خالصاً، بل شاركته فيه غيرها، وتمتعت بأحضانه الدافئة، وهي التي كانت تعاني الويلات والقسوة مع غيره..
شعور الخزي والخذلان دفعاها للتراجع والابتعاد..
لقد ظلمها مثل غيره، وتوقع بسهولة أن ترضخ مستسلمة لعرضه..
لم تكن لتقبل بإهانة كرامتها أو كبريائها..
لكن قلبها، ذلك الشيء النابض الذي يرفض مقاومتها لتيار مشاعر الحب الصادقة، أبى أن يستسلم لهواجسها، وذكرها بحبٍ حقيقي نابع من أعماق الفؤاد..
وأجبر عقلها على تذكر تلك اللحظات الماضية بينهما..
لحظات مميزة جمعتهمل صدفة وعن عمد..
لقاءات حفرت في ذاكرتهما ذكريات جميلة كانت سندها في أحلك الأوقات..
ها هي تضعف من جديد..
تنهار حصونها أمام سيل حبها الجامح له..
هي لم تكرهه بالفعل، هي تبغض الظروف التي أجبرتهما على الفراق..
حالة من الوجوم سيطرت عليه طوال اليوم وهو يحاول استنباط سبب رفضها له..
أليست تحبه؟ ألم يشعر بحرارة أنفاسها اللاهثة والمرتبكة على صدره؟ ألم يسمع دقات قلبها المتلاحقة والتي تهتف بإسمه وهي في أحضانه؟ ألم يلبي ندائها الغير منطوق ويطلب أن يتوج حبها بالزواج؟
لماذا اذن تقصيه بعيداً عنها؟
وضع يديه على رأسه ليضغط عليها بقوة بعد أن أنهكه التفكير المتعمق..
أرخى يديه إلى جانبيه، وسحب نفساً عميقاً من هواء البحر الذي يشكو إليه دوماً همومه..
زفر بإنهاك وحدث نفسه بيأس:
طب أعمل ايه عشان توافق؟!
ركل رمال الشاطيء بقدمه بعصبية، ثم تابع بضجر:
ليه تعباني معاكي، ليه؟!
تخيل صورتها تتجسد أمامه على أمواج البحر المتلاطمة، وضحكاتها الرقيقة تتشكل لتأثره أكثر بغمازتيها البارزتين، فظهر شبح ابتسامة باهتة على محياه، وتنهد قائلاً:
إيثار!
ظلت حبيسة غرفتها لفترة طويلة، شاردة، حزينة، أوجاع قلبها تفتك بما تبقى من روحها المنهكة..
سمعت دقات خفيفة على باب غرفتها، فنهضت بتثاقل من على الفراش، وكفكفت أثار عبراتها من وجنتيها..
فتحت الباب، وحدقت في وجه أخيها بشحوب..
نظر لها بإشفاق، وسألها بهدوء:
ليه أعدة لوحدك؟
ردت عليه بفتور وهي توليه ظهرها:
ماليش نفس لحاجة
سار خلفها وسألها بتوجس وهو يراقب تصرفاتها الغير مكترثة:.
في حد ضايقك في شغلك؟ حد اتعرضلك؟!
لم تستطع البوح له بما يجيش في صدرها، هي لا تريد أن يتشارك أي أحد همومها، لا ترغب في أن تكون عبئاً على أحد حتى لو كان أخيها، لذلك ابتلعت غصة مريرة عالقة في حلقها، وأجابته بإرتباك قليل:
ه، آآ، لأ
تحرك عمرو ليقف قبالتها، ثم وضع يديه على ذراعيها، وهزها قليلاً وهو يتابع بجدية:.
إيثار أنا عاوزك تثقي فيا، أنا عمري ما هاعمل أي حاجة تضرك أو تأذيكي، اديني بس فرصة وأنا هاثبتلك إني اتغيرت بجد!
ابتسمت له وهي ترد عليه بتأكيد:
عمرو، أنا مصدقاك والله، مش محتاج تثبت حاجة ليا!
سألها مجدداً بإلحاح:
طب قوليلي مالك؟ ايه اللي مغير احوالك كده ومضايقك؟!
ردت عليه بإقتضاب وهي تطلق تنهيدة قصيرة:
مافيش..
أيقن عمرو أن أخته لن تتحدث بسهولة، فابتسم بتهذيب وهو يضيف:
عموما أنا موجود لو حابة تفضفضي معايا!
بادلته إبتسامة ودودة وهي ترد عليه:
ربنا يخليك ليا!
تحركت ناحية فراشها وجلست على طرفه، فتابعها أخيها بنظراته، ثم هتف فجأة بحماس:
أنا عاوز أقولك على حاجة
رفعت رأسها لتنظر إليه متساءلة:
ايه هي؟
ظهرت ابتسامة عريضة على محياه وهو يجيبها بغموض:
مش هاتصدقي ماما قالتلي ايه النهاردة
سألته إيثار بفضول:
خبر يفرح؟!
رد عليها بنبرة شبه حائرة وهو يحك مؤخرة رأسه بيده:.
هو لحد الوقتي مش باين إن كان يفرح ولا لأ، بس إن شاء الله خير!
نظرت له بإهتمام، فتابع هو قائلاً بهدوء حذر:
المهم ماما قالتلي إن مالك أخو روان وافق يقابلني
اتسعت مقلتيها في صدمة غير متوقعة، وارتفع حاجبيها للأعلى بذهول، وهتفت غير مصدقة:
ايه!
أكمل عمرو قائلاً بحذر:
منتظرني بكرة عنده، فادعيلي!
ارتبكت أكثر مما قاله أخاها، فهب لا تدري ردة فعله تجاهه بعد أن رفضته، تخشى أن يعاقبه لقرارها..
عضت على شفتها السفلى، وهمست بتوتر:
آآ، ربنا يكرمك!
حاول عمرو أن يرفع الحرج عن أخته خاصة أن للموضوع أذيال متعلقة بالماضي، وتابع بهدوء:
يا رب أمين، عاوز دعوة محترمة من القلب، مش هوصيكي!
ردت عليه بصوت فاتر:
أكيد!
اقترب منها، ثم انحنى بجسده ليقبلها من أعلى رأسها، وهز رأسها بقبضته، وابتسم لها وهو يتحرك مبتعداً…
أدمعت عيناها عقب حديث أخيها الجاد حول ما ينتوي فعله مع عمرو بداخل غرفتها..
كانت تريد أن تسير الأمور بسلاسة، ويحدث الإرتباط بينهما دون أي تعقيدات..
لكنه أراد أن يلقن عمرو درساً، ليعرف كيف يمكن أن يقهر قلباً ويفسد حياة بأسرها بسبب تعنت مجحف وظلم جائر..
احتضن مالك وجه أخته براحتيه بعد أن جثى على ركبتيه أمامها، وباشر حديثه قائلاً بإبتسامة صغيرة:.
والله ده لمصلحتك، صدقيني أنا عمري ما هضرك ولا هاخلي حد يجرحك، بس لازم يستحمل عشان يعرف إنك تستاهلي التعب والتضحية!
نظرت له في صمت بعينيها الباكيتين، ولم تستطع أن تعقب عليه..
فبماذا تخبره؟ هل تفضح نفسها وتقول أن قلبها تعلق به بالفعل وأحبه وباتت ترسم أحلاماً وردية معه؟ أم تكتفي بالصمت وكتم أحزانها داخل صدرها وتعاني من عذاب الحب بمفردها؟
شعر مالك بتخبط مشاعر أخته الصغرى، وأجبر نفسه على القسوة قليلاً معها من أجلها هي..
ابتسم لها مجدداً، ومسح عبراتها من على وجنتيها بأنامله، ثم اعتدل في وقفته، وتركها وانصرف دون أن يقول بالمزيد فهو لا يريد وضعها في موقف صعب، لذا أسلم شيء تركها الآن…
مالت هي على جانب فراشها، وأجهشت بالبكاء الحارق، فاستمع هو إلى صوت شهقاتها التي لم تستطع إخفاؤها وهو يقف في الخارج مستنداً على الحائط…
أطرق رأسه أسفاً، وحدث نفسه بجمود:
بكرة هتشكريني على ده!
رحل مسرعاً قبل أن يلين قلبه تعاطفاً معها…